"الطاولة الأدبية" تتسع للجميع

أنيسة الهوتية

البشر هم أنفسهم في الحياة العامة كما في الأدب، يتجمعون حول الطاولات التي تشبههم، أو ينتمون إليها.

ولأنني أؤمن أن الطاولة -أي طاولة- يجب أن تتسع للجميع، ولا يجب التنمر، والتهكم، والتشهير، والطرد.

خاصة من الطاولة الأدبية التي تسع للحكواتي، وللشاعر، وللروائي، وللقاص، ولمن يكتب على ظهر منديل، وحتى لمن يستعين بالذكاء الاصطناعي… ما دام أنه اتسع لمن اشترى قصيدته من السوق الشعبي. لا بأس. دعونا لا نُكثر الضجيج هنا.

وللأسف أننا لا نعيش في عالم "لا بأس". نحن نعيش في عالم يُصنّف ويُقارن ويُقصي. وفجأة أصبح استخدام أدوات مثل الذكاء الاصطناعي خيانة عظمى للأدب. يرفع البعض حواجبهم: "أهذا كاتب؟ استخدم ذكاءً اصطناعيًا!".

نعم يا سادة، استخدم أداة. كما استخدم غيره محرّرًا لغويًا بشريا أم اصطناعيا، أو مترجمًا عبقريًا، أو كاتبًا خفيًا يتسلّل بين السطور.

في فيلم Bad Moms، كانت هناك أم متسلّطة، ترأس لجنة الأمهات في المدرسة. حين حضرت الأمهات الأخريات بالحلوى والمخبوزات، بدأ التدقيق الأمني الغذائي.

"لا تأكلوا هذا، لقد اشترته من المخبز!"

ثم التفتت إلى صينية الكعك الأخرى:

"هذه استخدمت خميرة خارجية، لم تصنع الخميرة في البيت!"

فترد أخرى، ربما بسخرية حزينة:

"على الأقل استخدمت خميرة خارجية، أما فلانة فقد اشترت الكعك كله من المحل!"

والآن، أليس هذا المشهد يُشبه تمامًا ما يحدث في الوسط الأدبي؟

الناقد الأدبي المتسلّط ينظر بازدراء إلى المقال الذي كُتب باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكأنه كعكة من مخبز خارجي. ثم يبدأ بتقييم نوع "الخميرة الأدبية":

"هذا المقال... لا تشبه رائحته البيت"، كمثل القهوة المغلفة الجاهزة، التي لا تشبه رائحتها القهوة المنزلية، لا تشربوه. هذا كافيين جاهز!!! غير متعوب عليه.

ولكن مهلاً، أين كان هذا الغضب حين عرفنا أن كثيرًا من الروائيين الكبار والفائزين بجوائز عالمية لا يكتبون رواياتهم بأنفسهم؟ بل يسردونها شفويًا، ويكتبها آخرون متمكنون في اللغة. أو يسلمون النص إلى مدقّق. أو يترجم العمل مترجمٌ موهوب فيضيف عليه روحه، وتفوز الرواية المترجمة بجائزة، بينما النسخة الأصلية كانت بالكاد تقرأ.

لماذا لم يعترض أحد؟ بل احتفوا وصفّقوا وتغنّوا بالأسماء.

إذن، لا يحقّ لكم اليوم أن تُعلنوا الحرب على من يستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة للمساعدة أو للإلهام. هذه "خميرته" الأدبية، لا شأن لكم بها. إن لم تعجبكم نكهة الكعك، لا تأكلوه. لا داعي لإغلاق المخبز.

نعم، الطاولة تتسع للجميع. دعوا الناس يكتبون بطريقتهم. وإن لم تعجبكم رائحة مخبوزاتهم الكتابية… لا تقتربوا من الصينية. فقط، اتركوها تجف… ولا تفتعلوا الجدل على كل قطعة كعك وضعت على هامش الطاولة.

فالطاولة تتسع للجميع، والمركزية معروفة بمكانة ثابتة... أما الهوامش فلا ضرر منها أبدا. وكل واحد "حر ياخي" في أكل ما يشتهي من الكعك الأدبي الموضوع على الطاولة...

وارتقوا بأخلاقكم، واسموا بأرواحكم، وترفعوا عن الأذى.

الأكثر قراءة